يبحث هذا الكتاب في معطيات النظرية الحجاجية (البلاغة الجديدة) التي قامت على آثار بلاغة أرسطو من جهة، وعلى ما أضافته إليها اللسانيات الحديثة أو قلّ البلاغات الجديدة، من جهاز مفهومي وأدوات تحليل من جهة ثانية، في تحليل خطاب واحد من ألمع ما أنتجته الثقافة العربية في العصر العباسي. من هذا المنطلق، فإن نظرية الحجاج هي: "درس تقنيات الحجاج التي من شأنها أن تجعل العقول تسلم بما يعرض عليها من أطروحات أو تزيد في درجة ذلك التسليم". وهذا يعني أن الحجاج ظاهرة ملازمة لإنتاج الخطاب عند البشر منذ قديم الزمان، إذ ما من خطاب يخلو من الحجاج قلّ ذلك الحجاج أو كثر، بيد أن الخطابات تتفاوت في الحجاجية، بمعنى أن بعض الخطابات أنسب لتطبيق نظرية الحجاج "البلاغة الجديدة" من البعض الآخر. يقول المؤلف: "لما كانت مكتوبات الجاحظ خطابات لرجل يحمل مشروعاً في البلاغة (نظرية البيان) وفي المعتقد (الإعتزال) وفي التواصل (علم الكلام) وفي الكتابة (تنفيذ هذا المشروع بأبعاده)، بدا لنا أن الحجاج من حيث هو ظاهرة ملازمة للخطاب والتخاطب ذات طابع مهيمن عليها. أما إختيار رسائله بالذات فيعود إلى ما في مقام الترسل من تعزيز لجاجية الخطاب مطلقاً، ومن تعزيز لحجاجية مكتوباته تحديداً وهذا ما سنجده عند تحليلنا لنماذج من رسائله وقد إخترنا مجموعة عبد السلام هارون لتكون المدونة المعتمدة في التطبيق، على أن التحليل سينصب على بعض منها بغية إثبات مدى بخاعة النظرية الحجاجية في تحليل الخطابات ذات الطابع الحجاجي وبيان مقاصدها...سنتاول أجزاء من نظرية الحجاج ومن أدوات تحليل، للوقوف على نجاحتها عند الإجراء، وبهذا الإختبار لفاعلية هذه الأدوات في تحليل الخطاب وبيان مقاصده، نقف من ثم على قيمة هذه النظرية... لهذا فإن الرسائل التي ستكون ميداناً للتحليل الحجاجي وفق خطة هذا البحث هي: نفي التشبيه، وتفضيل النطق على الصمت، والتربيع والتدوير، والمعاد والمعاشر، وصناعات القواد، والحنين إلى الأوطان، والأوطان والبلدان، وصناعة الكلام، والقيان، وفصل مابين العداوة والحسد، والنساء، والعثمانية، ورسالة في الفتيا ". يقسم الباحث جراسته هذه إلى مدخل وثلاث مباحث: أما المدخل فيتناول مفاهيم الحجاج منذ فلاسفة اليونان إلى يومنا هذا، ويقسم إلى قسمين، الأول: الحجاج عند اليونان، ويوضح فيه الكاتب الفرق الجوهري بين مفهوم الحجاج عند السوفسطائيين، ومفهوم الحجاج عند فلاسفة اليونان. أما الثاني: الحجاج عند البلاغيين القدامى والجدد ويقسم إلى قسمين أيضاً: 1-البلاغيين القدامى منذ الجاحظ حتى حازم القرطاجني. 2-البلاغيين الجدد: وفيه عرض لأشهر نظريتين حجاجتين وهما: نظرية بيرلمان وتيتيكاه ونظرية ديكرو وأنسكومبر. أما البحث الاول فجاء بعنوان خلفية الحجاج عند الجاحظ. وجاء البحث الثاني بعنوان إستراتيجيات الحجاج ووظائفه. أما البحث الثالث والأخير فجاء بعنوان دائرة الحجاج. وأخيراً خاتمة تتضمن نتائج الدراسة يشرحها الكاتب في سبعة وعشرين نقطة.