يتضمن مجلدا هذه الموسوعة الجامعة زبدة أعمال جمع المصطلح وإخراجه، والتي تمّ القيام بها، دراسة وتحقيقاً، من خلال سلسلتي موسوعات مصطلحات العلوم العربية والإسلامية، القديمة والحديثة والمعاصرة، إضافة إلى الأعلام الوسيطين الاثني عشر. وقد بلغت أعداد أجزاء هاتين السلسلتين، إلى جانب خمس موسوعات تراثية والموسوعة الجامعة هذه، الثلاثين. أما إذا تمّ إحصاء عدد المفردات التي تضمنتها هذه المجموعات الثلاث، لوجد أنها تقارب عشرات آلاف المصطلحات والمفاهيم والألفاظ والحروف. وهو مخزون يفوق في كمّه أي معجم وموسوعة مصطلحية وضعا قبل الألفية الثالثة في ميادين الفكر العربي.

ولما وجد القائمون على هذا العمل أنه من المتيسر تناول عدد معين وأساسي من المصطلحات ورؤوس المواضيع، ومن المتعذر إيراد كمّ المصطلحات مجتمعة في مجلدين أو ثلاثة، اعتمدوا تخيّر أمهاتها اختياراً دقيقاً، صفها ووضعها مؤلفة لتكون مادة هذه الموسوعة المصطلحية الجامعة إضافة إلى تحليل أبرزها ونقد مضامينها. وتمّ ترتيب المضمون تبعاً لما يلي: 1-الأصول اللغوية: في باب أول تمّ التوقف عند جذور ودلالات كل لفظ، والتي تسبق تقليداً وضع الاصطلاح تاريخياً. 2-العلوم الإسلامية في باب ثانٍ تمّ إيراد مصطلح العلوم الإسلامية الذي رافق علوم اللغة العربية؛ وهو لها ومنها، مطواعٌ في التعبير عن كل معنى استحدثه علمه المستجد، فإنه حاول المحافظة على نقاوة اللغة وغزارة مدلولاتها في الإسلاميات. أ-علم أصول الفقه وهو العلم الذي نما وأينع على جنبات القرآن ومباحثه، وعلى هدي السنة وتوجيهاتها، ثم ازداد وغنى وتوسعاً عند احتكاكه بالعلوم الدخيلة من جهة، وارتباطه بالعلوم الدينية الأخرى كالحديث والكلام. ب-علم الكلام وقد ظهر المصطلح الكلامي ونما في ظل منطلقات ومسلمات إسلامية بحتة تبعاً لما جاء في الكلام الإلهي والتعبير النبوي، ثم تطور يوم كثرت التساؤلات حول مسائل جدالية عدّة. ج-علم التصوف، وهو علم ارتدى معطف الفكر الإسلامي، ولبس لاحقاً لبوس مذاهب شرقية وإشراقية قديمة ومتجددة، فشكل ظاهرة إنسانية واجتماعية لم تكن بعيدة لا عن العقيدة الإسلامية وأهلها على مختلف فرقهم ولا عن أتباع الفكر الباطني والإشراقي. 3-العلوم الفلسفية في باب ثالث، كان لا بد من إدراج المصطلح الفلسفي بكل أبعاده، وهو شمّال بطبيعته نظراً إلى تعميم الفلسفة على الحقول المعرفية كافة (سيّما في الفترة الوسيطية التي كرّس لها القائمون على هذا العمل الموسوعي المصطلحي أكثر من مصطلحات موسوعة وتحكم ومادة). أ-علم المنطق، ب-العلوم الاجتماعية والسياسية، ج-العلوم عند العرب، د-علم التاريخ. 4-الفكر الحديث والمعاصر. في باب رابع بان أنه إذا كان المصطلح العربي والإسلامي القديم قد لعب دوراً متميزاً في إحياء التراث فإن المصطلح العربي-والإسلامي الحديث والمعاصر يشكل حلقتين: الأول: تواصلية مع الموروث، والثانية: تأسيسية لكل ما استجد في ميادين المعرفيات والاجتماعيات والأدبيات. ولا بد لدارس مصطلح النهضة أن يلحظ هذين: التقليد والتحول، لا سيما بين النهضتين الأولى والثانية بين 1700 و1940، 1940و2000.

من هنا وجد أن هذا المشروع الموسوعي المصطلحي لن تكتمل معالمه إذا ظلّ بعيداً عن مصطلح النهضة وبمعزل عن تطوراته؛ لما يشكله من غنى كمّي ونوعي، ولما يرمز إليه من دلالات حادثة تبين مجاري استقبال الذهنية العربية والإسلامية للقدر الكبير من العلوم والتيارات والمذاهب الوافدة إليها، كما أنها تشير إلى مسالك اللسن العربي في التعبير عن هذه المعاني بمضامينها المستجدة. 5-الفكر النقدي المعاصر. في باب خامس تمّ إفراد حقل خاص للفكر النقدي الذي يجسّد هذه المرحلة الأخيرة من النهضة الثانية. 6-التعليقات. في باب سادس تمّ فيه التوصل إلى استنتاج مفاده ، هذه المنهجية المقارنة بين القديم والحديث والمعاصر وفّت الفرض الأساس من وضع الموسوعات، ملخصة في هذه الموسوعة الجامعة بالذات، حيث خوّلت القائمين عليها ضمّ المادة المصطلحية من خلاصات مفيدة لأبرز مفاهيم الفكر العربي والإسلامي التراثي والنهضوي، وقد تمّ إجراء قراءات تحليلية وتأليفية حولها من قبلهم، إبرازاً لمضامينها وفحوى معانيها، وإمكانيات استعمالها في أبعادها ومراميها، دون إسقاط حقهم بالنقد الموضوعي لبعضها، فتم وضع التعليقات، وإضافة الشروحات وغايتهم، كما غيرهم من النقاد، توسيع المشروع الإصلاحي لنُظُم هذا الفكر بأدواته التعبيرية وآليات المعرفية. ويمكن القول بأن هذا العمل الموسوعي إنما هو مؤلف جامع شامل موجه لكل باحث واختصاصي في ميادين الفكر العربي والإسلامي، علومه وفنونه، في قديمه وجديده، والعمل ولا شك إنما يمثل مرجعية لطالما افتقرها دارسو هذا الفكر، إذ سيوفر لهم فرصة تتبع سيرورة اللفظ، على مراحله التاريخية وتبعاً لمستوياته كافة، فيتم التعرف من قرب على التحولات والتشكلات والتطورات التي أصابت دلالاته، وهذا النمو المعرفي لا يخدم أغراض التعبير الفكري فحسب، إنما يهيء للمرحلة الأهم من عمر الناطقين باللسان العربي، أي تمثل المصطلحات العربية لمعاني العلوم الإنساني، ترسيخها ذهنياً، كما وهضمها عند القيام بعملتي الترجمة والتعريب المعرّب.